رواية البلاذري: «إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على المنبر فاضربوا عنقه» - Kifayatullah Sanabili Official website

2020-04-19

رواية البلاذري: «إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على المنبر فاضربوا عنقه»


رواية البلاذري: «إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على المنبر فاضربوا عنقه»

***

(كتبه: أبوالفوزان السنابلي)

.

قال البلاذري:

حدثني إبراهيم بن العلاف البصري قال، سمعت سلاما أبا المنذر يقول، قال عاصم بن بهدلة حدثني زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على المنبر فاضربوا عنقه».

وروى الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود بمثله.

[أنساب الأشراف للبلاذري 5/ 130]

.

قلت: هذا الإسناد منقطع بين سلام أبي المنذر وعاصم بن بهدلة، فإن سلاما أبا المنذر لم يذكره عن شيخه عاصم بأي صيغة من صيغ التحمل المعروفة مثل "حدثنا" و "أخبرنا" و "عن" و ما إلى ذلك، بل ذكره عن شيخه بصيغة الإرسال "قال" بلفظ: «قال عاصم بن بهدلة .. » ثم ذكر ما فوقه من الإسناد والمتن بعد أن أرسله عن عاصم.

ولفظ "قال" لايحمل على الاتصال ولو كان من غير مدلس عن شيخه، إلا ممن عرف من عادته أنه يطلقه فيما سمعه، وإذا عرف هذا في راو فإنه إذا روى بلفظ "قال" عن شيخه ما لم يسمعه منه، يكون بذلك مدلسا. لأنه خالف عادته فأوهمنا السماع. أما الذي لم يعرف من عادته أنه يطلق لفظ "قال" في مسموعاته، فلايحمل منه هذا اللفظ على السماع، وهذا إذا روى عن شيخه ما لم يسمعه بلفظ "قال"، لا يكون بذلك مدلسا أبدا، لأنه لم يوهم السماع.

.

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:

«فقد صرح الخطيب وغيره بأن لفظ قال لا يحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه لا يطلق ذلك إلا فيما سمع فاقتضى ذلك أن من لم يعرف ذلك من عادته كان الأمر فيه على الاحتمال» [مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص: 17]

بل الذي عرف عنه إطلاق ذلك في السماع عموما، لكن غير عادته في كتابه الخاص فلم يطلقها فيه فيما سمع، لا نحمل منه هذا اللفظ على السماع في ذلك الكتاب.

كالإمام البخاري رحمه الله وتعليقاته في صحيحه، فإنه يعلق عن مشايخه ما لم يسمعه منهم بلفظ "قال"، ومع ذلك لايوصف بالتدليس، لأنه لم يجعل فيه عادته أن يطلق لفظ "قال" في مسموعاته.

لذلك قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:

«لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسا». [النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر 2/ 601]

.

وقال في موضعٍ آخر:

«لا يلزم من هذا الفعل الاصطلاحي له أن يوصف بالتدليس لأنا قد قدمنا الأسباب الحاملة للبخاري على عدم التصريح بالتحديث في الأحاديث التي علقها حتى لا يسوقها مساق أصل الكتاب، فسواء عنده علقها عن شيخه أو شيخ شيخه، وسواء عنده كان سمعها من هذا الذي علقه عنه أو سمعها عنه بواسطة».

[تغليق التعليق لابن حجر: 2/ 9]

 

فهنا سلام أبو المنذر جاء بصيغة الإرسال "قال"، على خلاف عادته في التحديث، ولم نعرف من عادته إطلاق هذا اللفظ فيما يسمع، فلا نحمله على السماع فيكون الإسناد منقطعا غير متصل.

ولعلل البلاذري نفسه أشار إلى ذلك، فقال بعد رواية سلام:

"وروى الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود بمثله".

لعله يشير بذلك أن الراوي عن عاصم في هذا الحديث هو الحكم بن ظهير كما في الطرق الأخري، و سلام لم يسمعه من عاصم بل ذكره عنه مرسلا.

 

وحديث الحكم بن ظهير أخرجه ابن عدي فقال:

"أخبرنا علي بن العباس، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه." [الكامل لابن عدي طبعة الرشد: 3/ 242]

وقال ابن معين - رحمه الله -:

"الحكم بن ظهير كذاب" [الكامل لابن عدي طبعة الرشد: 3/ 240 وإسناده صحيح]

وقال ابن حبان - رحمه الله -:

"الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي يروي عن السدي وعاصم بن بهدلة روى عنه الكوفيون كان يشتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات وهو الذي يروي عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه" [المجروحين لابن حبان، تزايد: 1/ 250]

.

أما ما ذكر ابن حبان بان "عباد بن يعقوب روى عن شريك عن عاصم عن زر عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه أخبرناه الطبري قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثنا عباد بن يعقوب عن شريك" [المجروحين لابن حبان، تزايد: 2/ 172]

فتعقبه الدارقطني - رحمه الله - وقال:

"وقوله: إن عبادا حدث عن شريك، عن عاصم، عن زر، حديث معاوية، فغلط بين. لم يحدث بهذا الحديث شريك، ولا رواه عباد عنه. وإنما حدث عباد بهذا الحديث، عن الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم: حدثكم به محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، ثنا عباد بذلك. كذلك وقد رواه أيضا مع عباد عن الحكم بن ظهير: محمد بن عبيد المحاربي" [تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان ص: 202]

فالظاهر أن الحديث حديث الحكم بن ظهير وهو كذاب متروك، فالحديث باطل موضوع.والله أعلم.

.

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

"فهذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام التي يرجع إليها في علم النقل وهو عند أهل المعرفة بالحديث كذب موضوع مختلق" [منهاج السنة النبوية 4/ 380]

وقال - رحمه الله - أيضا:

"ومما يبين كذبه أن منبر النبي صلى الله عليه و سلم قد صعد عليه بعد معاوية من كان معاوية خيرا منه باتفاق المسلمين فإن كان يجب قتل من صعد عليه لمجرد الصعود على المنبر وجب قتل هؤلاء كلهم ثم هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام فإن مجرد صعود المنبر لا يبيح قتل مسلم وإن أمر بقتله لكونه تولى الأمر وهو لا يصلح فيجب قتل كل من تولى الأمر بعد معاوية ممن معاوية أفضل منه وهذا خلاف ما تواترت به السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم من نهيه عن قتل ولاة الأمور وقتالهم كما تقدم بيانه ثم الأمة متفقة على خلاف هذا فإنها لم تقتل كل من تولى أمرها ولا استحلت ذلك ثم هذا يوجب من الفساد والهرج ما هو أعظم من ولاية كل ظالم فكيف يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء يكون فعله أعظم فسادا من تركه" [منهاج السنة النبوية 4/ 381]

.

وخلاصة القول إن هذا الحديث باطل مختلق، وإسناد البلاذري أيضا لايثبت، والحمدلله علي نعمة الإسناد.

وكتبه:

أبوالفوزان السنابلي

 

 


No comments:

Post a Comment