تخريج حديث طلاق ابن عمر لزوجته وهي حائض، بلفظ"حسبت علي بتطليقة" - Kifayatullah Sanabili Official website

2020-05-25

تخريج حديث طلاق ابن عمر لزوجته وهي حائض، بلفظ"حسبت علي بتطليقة"



تخريج حديث طلاق ابن عمر لزوجته وهي حائض بلفظ «حسبت علي بتطليقة»

 

كتبه: كفايت الله السنابلي

حديث طلاق ابن عمر - رضي الله عنه - امرأته وهي حائض بلفظ «حسبت علي بتطليقة» رواه البخاري معلقا ولم يوصله في موضع آخر من كتابه، فهذا الحديث لا يكون علي شرطه ولا يدخل في أصل صحيحه، وفيما يلي مقال لي في تخريج هذا الحديث لم أكتبه كبحث نهائي، ولا أجزم بما توصلت إليه من النتائج، بل طرحته أمام أهل العلم وطلاب علم الحديث للنظر والمناقشة والبحث والمدارسة. عسي أن أصل - بعد الوقوف علي آرائهم وتعليقاتهم - إلي قول نهائي في ثبوت هذه اللفظة من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أو عدم ثبوتها، إن شاء الله. فالرجاء من أهل العلم أن يتفضلوا بإدلاء ما لديهم من الآراء والملاحظات. وجزاهم الله خيرا ونفع بهم. فأقول:

 

روي الإمام البخاري - رحمه الله - (المتوفى256): معلقا فقال:

وقال أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: «حسبت علي بتطليقة»

[صحيح البخاري (نشردار طوق النجاة) 7/ 41 رقم (5253)، النسخة الهندية ج2ص790]

.

الرواية معلقة

هذا الحديث قد رواه الإمام البخاري - رحمه الله - معلقا عن شيخه، و قد ذكر الحافظ ابن حجر أنه ورد في نسخة أبي ذر (حدثنا أبو معمر)، وللباقين (وقال أبو معمر)، قال الحافظ ابن حجر: «وبه جزم الإسماعيلي» [فتح الباري لابن حجر 9/ 352]

قلت: لاشك أن الترجيح لرواية الباقين الأكثرين، ولا عبرة برواية أبي ذر الشاذة، فان قيل: إن هذا من باب قبول عنعنة المدلس إذا صرح بالسماع في إحدي الطرق، فتقبل عنعنته في سائر الطرق حينئذ.

 

قلت: شتان ما بينهما، فهناك فرق كبير بين رواية المدلس أحاديثه بصيغة السماع و صيغة العنعنه، وبين إيراد المصنف أحاديثه في كتابه بالصيغة المصطلحة لأصول الكتاب و بالصيغة الأخري المختصة للتعاليق. فالمدلس إذا روي حديثا سمعه من شيخه فيستوي عنده أن يورده بالسماع أو بالعنعنة دون التفريق بينهما، مثلا إذا سمع المدلس حديثا من شيخه فلا يفرق بين صيغة السماع و صيغه العنعنة، فسواء عنده حدث بالسماع أوحدث بالعنعنة، فنحن إذا وقفنا علي روايته التي صرح فيها بالسماع علمنا أن الرواية التي عنعن فيها هي بمنزلة السماع عنده.

أما المصنف الذي اصطلح لأصول الكتاب صيغة وللتعاليق صيغة أخري، ثم يورد حديثا في موضع واحد فقط، ولا يعيده في موضع آخر في كتابه. ففي مثل هذا الموضع لابد للمصنف أن يفرق بين الأصول و التعليقات وأن ياتي بصيغة واحدة فقط إما بصيغة الأصول وإما بصيغة التعليق. لأنه لايستوي عنده إيراد حديث في الموضع الواحد بإحدي الصيغتين دون التفريق بينهما.

فاذا اختلفت نسخ الكتاب في موضع واحد في إيراد الصيغة من حيث الأصول والتعليق، فلا سبيل إلي الجمع والتوفيق ولا بد من الترجيح والترجيح هنا للأكثر.

نعم إذا كان الاختلاف اختلاف الألفاظ في نوع واحد من الصيغة، كقولهم (حدثنا) أو (أخبرنا) في صيغه الأصول، أو قولهم (قال) أو (ذكر) في صيغة التعليق، فهذا اختلاف في صيغة واحدة في ألفاظها المتنوعة، وكلها في حكم واحد، فلا تعارض هنا. أما اذا كان الاختلاف في الصيغة نفسها من حيث التعليق والأصول، فصيغة التعليق تعد مخالفة ومعارضة لصيغة الأصول، و يستلزم اختيار الأولي ترك الأخري. فلا بد من اختيار الرواية الراجحة، وغير خاف علينا أن الرواية الراجحة هنا هي رواية التعليق.

علي هذا يبقي الحديث معلقا غير مسند، ولا يعد من أصل الكتاب. و هذا هو السبب الذي من أجله نري المحدثين ينقلون هذا الحديث في كتبهم فيذكرونه عن البخاري معلقا.

فهذا الإمام البيهقي - رحمه الله - يقول:

«قال البخاري وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث أخبرناه أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضى الله عنه قال: حسبت على بتطليقة.» [السنن الكبرى للبيهقي، ط الهند: 7/ 326،وانظر: جامع الأصول 7/ 603،تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف (5/ 428)،المحرر في الحديث (ص 568)]

 

ويقول العلامه الالباني - رحمه الله -:

«هكذا أخرجه البخارى (3/ 458) معلقا: وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير» [إرواء الغليل للألباني: 7/ 128]

 

فتيبن من هذا كله أن الحديث معلق في صحيح البخاري كما هو في جميع النسخ عدا نسخة أبي ذر، وكذلك الناقلون عن البخاري يذكرونه معلقا في كتبهم، وبه صرح العلامة الألباني - رحمه الله - من المعاصرين.

 

درجة تعليقات البخاري:

إذا عرفنا أن هذا الحديث الذي نحن بصدده من تعاليق البخاري وليس من أصل كتابه فلنعرف أن التعليقات التي لم يوصلها البخاري في موضع آخر من كتابه ليست من نمط الصحيح المسند فيه ولا علي شرطه كما يدل عليه موضوع كتابه وهو «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه»، وقد فصلنا القول في هذا في كتابنا «حديث يزيد و موقف المحدثين منه» (ص 84 الي 95 بالأردية) فيحسن الرجوع إليه فإنه مهم إن شاء الله.

 

 

تعليقات البخاري عن شيوخه:

تعاليق البخاري علي أنواع منها ما علقه عن مشائخه، فلم يورده بالصيغة التي جعلها مصطلحة لموضوع كتابه وهي (حدثنا) وما قام مقام ذلك، بل كتبه مغايرا لتلك الصيغة و عبر بصيغة أخري لا تقتضي السماع مثل (قال فلان) ولم يصرح بالسماع عن هذا الشيخ في موضع آخر من كتابه. فهذا النوع هو من تعليقات البخاري عن شيوخه، والحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه هو معلق من هذا النوع.

 

ولا شك أن هذ النوع من التعاليق ليس من أصل كتابه ولا علي شرطه لأن البخاري اصطلح لأحاديث الأصول صيغة حدثنا وما قام مقام ذلك. فاذا ساق حديثا بغير هذه الصيغة التي اصطلحها لكتابه فهذا يعني أن ذلك الحديث ليس علي شرطه وليس من أصل الكتاب.

 

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:

«ظهر لي أن البخاري مع ذلك فيما يورده من تراجم الأبواب على أطوار أن وجد حديثا يناسب ذلك الباب ولو على وجه خفي ووافق شرطه أورده فيه بالصيغة التي جعلها مصطلحة لموضوع كتابه وهي حدثنا وما قام مقام ذلك والعنعنة بشرطها عنده وأن لم يجد فيه إلا حديثا لا يوافق شرطه مع صلاحيته للحجة كتبه في الباب مغايرا للصيغة التي يسوق بها ما هو من شرطه ومن ثمة أورد التعاليق» [مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص:8، 9]

 

علق الإمام البخاري حديث جرير بن حازم عن شيخه أصبغ بن الفرج فقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي:

«لم يخرج البخاري في الباب حديثا صحيحا على شرطه ... أما حديث جرير بن حازم فذكره بلا خبر» [فتح الباري لابن حجر 9/ 590]

فحديث جرير بن حازم هذا لم يعده الإمام أبو بكر الإسماعيلي علي شرط البخاري لأن البخاري علقه عن شيخه.

 

وقال الإمام أبو العباس القرطبي عن حديث علقه البخاري عن شيخه:

«لكنه لم يسنده ليفرق به بين ما كان علي شرطه في أصل الكتاب وبين ما ليس كذلك» [كشف القناع عن حُكم الوجد والسماع ص36]

 

فتبين من صنيع البخاري و أقوال الأئمة أن تعاليق البخاري عن شيوخه لا يكون علي شرطه ولا يعد من أصل كتابه وبالتالي لا يصح أن يقال عن هذالنوع أخرجه البخاري علي الإطلاق بل ينبغي أن يقال أخرجه البخاري معلقا أو ذكره البخاري معلقا.

.

حكم تعليقات البخاري عن شيوخه، صحة وضعفا

قد أسلفنا أن هذا النوع من التعاليق لا يكون علي شرط البخاري بل يتقاعد عن ذلك بدرجات، ثم هل يحكم عليه بالصحة أم لا ففيه أقوال:

 

القول الأول:

(يكون منقطعا لذاته)

علي هذا نجد جمهور الحفاظ من المتقدمين قبل ابن الصلاح، فمنهم:

 

أبو بكر الإسماعيلي (المتوفي371) - رحمه الله -:

علق الإمام البخاري حديث جرير بن حازم عن شيخه أصبغ بن الفرج في صحيحه برقم (5471) فقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي:

«لم يخرج البخاري في الباب حديثا صحيحا على شرطه ... أما حديث جرير بن حازم فذكره بلا خبر» [فتح الباري لابن حجر 9/ 590]

قال الحافظ ابن حجر:

«قوله إنه ذكره بلا خبر يعني لم يقل في أول الإسناد أنبأنا أصبغ بل قال قال أصبغ لكن أصبغ من شيوخ البخاري قد أكثر عنه في الصحيح فعلى قول الأكثر هو موصول كما قرره ابن الصلاح في علوم الحديث وعلى قول ابن حزم هو منقطع وهذا كلام الإسماعيلي يشير إلى موافقته» [فتح الباري لابن حجر 9/ 591]

وموقف ابن حزم مشهور أنه يعد تعاليق البخاري عن شيوخه منقطعا. ويأتي قول الحافظ بأن ابن الصلاح قد خالف ما قرره في علوم الحديث.

 

أبو بكر بن العربي (المتوفي543) - رحمه الله -:

علق البخاري حديثا عن شيخه عثمان بن الهيثم في صحيحه برقم (2311) فقال أبو بكر بن العربي:

«أخرجه البخاري مقطوعا» [النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي 2/ 48]

وقال الحافظ ابن حجر:

«وزعم ابن العربي أنه منقطع» [فتح الباري لابن حجر 4/ 488]

بل قال الحافظ نفسه:

«ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان فالظاهر أنه لم يسمعه منه» [مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص: 17]

وهذا التعليق وصله غير واحد منهم ابن خزيمه فوصله في صحيحه برقم (2424) من طريق هلال بن بشر عن عثمان بن الهيثم به، فقال الحافظ في الفتح:

«وأقربهم لأن يكون البخاري أخذه عنه -إن كان ما سمعه من ابن الهيثم- هلال بن بشر، فإنه من شيوخه» [فتح الباري لابن حجر 4/ 488]

 

عبد الحق الإشبيلي (المتوفي582) رحمه الله:

علق البخاري عن شيخه هشام بن عمار حديث المعازف في صحيحه برقم (5590)، فقال عبد الحق الإشبيلي:

«ولم يصل سنده بهذا الحديث» [الجمع بين الصحيحين للإشبيلي 3/ 249 رقم 3508]

 

وحكي السخاوي موقف عبد الحق الإشبيلي تجاه تعاليق البخاري عن شيوخه فقال:

«قد حكم عبد الحق وابن العربي السني بعدم اتصاله» [فتح المغيث بشرح ألفية الحديث 1/ 79]

قلت: وابن العربي قد تقدم قوله.

 

محمد بن عمر بن مكي المعروف بابن الوكيل (المتوفي716) - رحمه الله -:

قال في كتابه «الإنصاف»:

«الذي أراه أنه لا يحمل على السماع وإن ثبت اللقاء لجواز أن يكون بلغه من عدل عنده لو ذكره لنا لعرفنا فسقه أو رآه في كتابه فيكون وجادة وبهذا رد ابن حزم حديث البخاري في المعازف لقوله فيه قال هشام بن عمار مع أنه شيخ البخاري» [الإنصاف لابن وكيل، أنظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي 2/ 43]

 

الإمام الذهبي (المتوفي748) - رحمه الله -:

قال عن حديث المعازف الذي علقه البخاري عن شيخه:

«أخرجه البخاري عن هشام عن غير سماع» [تذكرة الحفاظ للذهبي، ط دار الكتب: 4/ 88]

 

وحكي السخاوي موقف الإمام الذهبي مما علقه البخاري عن شيوخه فقال:

«وقال الذهبي حكمه الانقطاع» [فتح المغيث بشرح ألفية الحديث 1/ 79]

 

الحافظ مغلطاي الحنفي (المتوفي762) - رحمه الله -:

قال:

«قد رأينا أن البخاري ذكر في آخر الجنائز: وقال حجاج بن منهال: ثنا جرير عن الحسن، ثنا جندب «كان برجل جراح، فقتل نفسه» وحجاج شيخه روي عنه الكثير، ثم إنه لما خرج هذا الحديث في أخبار بني إسرائيل قال: ثنا محمد ثنا حجاج بن منهال فذكره. فقد بين أنه إذا أتي بهذه الصيغة تكون عنده منقطعة، إلا أن يظهر خلافها بأمر واضح لا محيص فيه» [إصلاح كتاب ابن الصلاح: ص 128]

 

فائدة:

اختيار هذا القول لا يستلزم أن يوصف الإمام البخاري بالتدليس، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله -:

«لا يلزم من هذا الفعل الاصطلاحي له أن يوصف بالتدليس لأنا قد قدمنا الأسباب الحاملة للبخاري على عدم التصريح بالتحديث في الأحاديث التي علقها حتى لا يسوقها مساق أصل الكتاب فسواء عنده علقها عن شيخه أو شيخ شيخه وسواء عنده كان سمعها من هذا الذي علقه عنه أو سمعها عنه بواسطة» [تغليق التعليق لابن حجر: 2/ 9]

وقال في موضعٍ آخر:

«لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسا» [النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر 2/ 601]

وقال أيضا:

«ولا يلزم من ذلك أن يكون مدلسا عنهم فقد صرح الخطيب وغيره بأن لفظ قال لا يحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه لا يطلق ذلك إلا فيما سمع فاقتضى ذلك أن من لم يعرف ذلك من عادته كان الأمر فيه على الاحتمال» [مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص: 17]

 

 

القول الثاني:

(يكون متصلا صحيحا)

هذا ما قرره ابن الصلاح في موضع ثم اختلف قوله في موضع آخر كما سيأتي.

واشتهر قوله الأول واختاره كثير من المتأخرين وتعقبه الآخرون وردوا عليه فقال الحافظ مغلطاي الحنفي (المتوفي762) - رحمه الله -:

«وذكر أن البخاري إذا قال عن شيخ له في كتابه الصحيح: (وقال فلان)، أخذه عنه مذاكرة. انتهي كلامه. وليس جيدا، فإن البخاري قال في أواخر كتاب الجنائز: (وقال حجاج بن منهال: ثنا جرير بن حازم) فذكر حديث الرجل الذي كان به جراح فقتل نفسه. ثم إنه خرجه بعد في أخبار بني إسرائيل فقال: (ثنا محمد قال: ثنا حجاج بن منهال: ثنا جرير) به. فهذا كما تري قال عن شيخه: (وقال)، ثم رواه بعد عنه بواسطة. وهذا يقوي ما ذهب إليه ابن حزم في حديث المعازف» [إصلاح كتاب ابن الصلاح: ص 83، 84]

 

وبهذه الحجة رد الحافظ ابن حجر أيضا قول ابن الصلاح فقال:

«ففيه رد على من قال كل ما يعلقه عن مشايخه محمول على أنه سمعه منهم» [فتح الباري لابن حجر 6/ 310]

 

 

القول الثالث:

(يكون منقطا من حيث وروده في الكتاب، لكن يكون في نفسه صحيحا مسندا عند البخاري)

قال الإمام أبو العباس القرطبي (المتوفي656) عن حديث علقه البخاري عن شيخه:

«علي هذا فلا يلتفت إلي ما قيل في حديث البخاري من أنه منقطع، لأن البخاري لا يعلق في كتابه إلا ما كان في نفسه مسندا صحيحا لكنه لم يسنده ليفرق به بين ما كان علي شرطه في أصل الكتاب وبين ما ليس كذلك» [كشف القناع عن حُكم الوجد والسماع ص36]

وكذا قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله (المتوفي702) انظر: (الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق العيد 1/ 260، النكت علي مقدمة ابن الصلاح للزركشي 2/ 49)

 

 

القول الرابع:

(يحتمل الانقطاع والاتصال من حيث وروده في الكتاب، ويكون في نفسه صحيحا إلي من علقه عنه)

وهذا هو الذي اختاره الحافظ ابن حجر - رحمه الله - فقال:

«إذا ما علق الحديث عن شيوخه الذين سمع منهم فقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أن حكم ((قال)) حكم ((عن)) وأن ذلك محمول على الاتصال ثم اختلف كلامه في موضع آخر فمثل التعاليق التي في البخاري بأمثلة ذكر منها شيوخ البخاري كالقعنبي والمختار الذي لا محيد عنه أن حكمه مثل غيره من التعاليق فإنه وإن قلنا يفيد الصحة لجزمه به فقد يحتمل أنه لم يسمعه من شيخه الذي علق عنه بدليل أنه علق عدة أحاديث عن شيوخه الذين سمع منهم ثم أسندها في موضع آخر من كتابه بواسطة بينه وبين من علق عنه» [تغليق التعليق لابن حجر: 2/ 8، وانظر: مقدمة فتح الباري لابن حجر: ص: 17]

 

وقوله «وإن قلنا يفيد الصحة لجزمه به» يعني به الصحة إلي من علقه عنه كما صرح في مقام آخر فقال:

«وهذا من المواضع التي ينبه عليها من يغتر بتعميم قولهم إن التعليق الجازم صحيح فيجب تقييد ذلك بأن يزاد إلى من علق عنه ويبقى النظر فيما فوق ذلك» [فتح الباري لابن حجر 13/ 159]

وقال في موضعٍ آخر:

«مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه وأما ما فوقه فلا يدل» [فتح الباري لابن حجر 1/ 386]

 

وقد علق البخاري حديثا عن طاووس فقال الحافظ ابن حجر:

«هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاووس لكن طاووس لم يسمع من معاذ فهو منقطع فلا يغتر بقول من قال ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه وأما باقي الإسناد فلا» [فتح الباري لابن حجر 3/ 312]

 

باقي الإسناد قد يکون ضعيفا من جهة الانقطاع وقد يکون ضعيفا من جهة العلل و الشذوذ و مخالفة الثقات.

قال الحافظ ابن حجر:

«وبعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع خاصة» [النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر 1/ 326]

 

فقوله «جهة الانقطاع خاصة» يعني قد يكون ضعيفا من غير جهة الانقطاع أيضا كالشذوذ ومخالفة الثقات.

.

الإسناد الموصول لهذا الحديث

قد علمنا مما سبق أن هذا الحديث ورد معلقا في صحيح البخاري فهل يوجد له إسناد موصول؟

من المعروف أن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرحه لصحيح البخاري يذكر الأسانيد الموصولة لتعاليق البخاري بل إنه قد أفرد تصنيفا في الباب وأسماه تغليق التعليق ينقل فيه معلقات البخاري ثم يذكر الأسانيد الموصولة لها. وقد ذكر فيه هذا الحديث المعلق فقال:

«قال وقال أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال حسبت علي بتطليقة

وهكذا وقع في روايتنا من طريق أبي الوقت وغيره وفي روايتنا من طريق أبي ذر ثنا أبو معمر فذكره فهو متصل من تلك الطريق» [تغليق التعليق لابن حجر: 4/ 434]

 

ليلاحظ أن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - لم يذكر هنا من وصل هذا المعلق بل احال إلي نسخة أبي ذر التي تفردت بذكر هذا الحديث مسندا وقد سبق أن هذه الرواية مرجوحة.

 

نعم! ذكر الحافظ في الفتح من وصله فقال:

«وقد أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصرا وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك» [فتح الباري لابن حجر 9/ 352]

 

وقال العلامه العيني:

«وأخرج هذا المعلق أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصرا، وزاد يعني: حين طلق امرأته، فسأل عمر - رضي الله عنه - النبي - صلى الله عليه وسلم -» [عمدة القاري شرح صحيح البخاري 20/ 228]

 

قلت: لم يذكرا إسناد أبي نعيم إلي عبد الصمد بن عبد الوارث فبينهما مفازة أكثر من قرن.

.

دراسة طرق الحديث

قد روي الحديث من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر - رضي الله عنه - به

 

وقد رواه عن سعيد بن جبير ثلاثة:

 

(1) أبو بشر جعفر بن إياس الواسطي

(2) يونس بن عبيد بن دينار العبدي

(3) أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني

 

أولا: طريق أبي بشر جعفر بن إياس الواسطي

قال الإمام ابن حبان رحمه الله (المتوفى354) - رحمه الله -:

أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسي، قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض، فرد علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك حتي طلقتها وهي طاهر

[صحيح ابن حبان 10/ 81 رقم 4264 وإسناده صحيح علي شرط مسلم و أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (3/ 396) و أبو يعلي في مسنده (10/ 19) من طريق سريج بن يونس و وأخرجه النسائي في سننه (6/ 141) من طريق زياد بن أيوب و الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 52) من طريق سعيد بن منصور كلهم (أبو داود الطيالسي وسريج بن يونس و زياد بن أيوب وسعيد بن منصور) من طريق هشيم عن أبي بشر به. صرح هشيم بالسماع عند أبي يعلي و النسائي والطحاوي]

 

أبو بشر جعفر بن إياس الواسطي ثقه إمام من رجال الستة وهو من أثبت الناس في سعيد بن جبير

قال الإمام البرديجي (المتوفي 301) - رحمه الله -:

«كان ثقة وهو من أثبت الناس في سعيد بن جبير» [تهذيب التهذيب لابن حجر، ط الهند: 2/ 84]

قال الحافظ ابن حجر (المتوفي852) - رحمه الله -:

«ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير» [تقريب التهذيب لابن حجر: رقم930]

قد روي أبو بشر هذ الحديث من طريق سعيد بن جبير وهو من أثبت الناس فيه ولم يذكر احتساب الطلقة

 

ثانيا: طريق يونس بن عبيد بن دينار العبدي

قال الإمام سعيد بن منصور (المتوفي227) - رحمه الله -:

نا هشيم، أنا يونس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، «أنه طلق امرأته وهي حائض فرد ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلقها وهي طاهر»

[سنن سعيد بن منصور: 1/ 402 وإسناده صحيح علي شرط الشيخين]

يونس بن عبيد بن دينار العبدي إمام ثقه من رجال الستة قد روي هذ الحديث من طريق سعيد بن جبير ولم يذكر احتساب الطلقة.

 

فلينظر أن الاثنين من الثقات الأثبات والائمة الكبار أبا بشر و يونس بن عبيد كلاهما يرويان هذا الحديث عن سعيد بن جبير ولا يذكران لفظ احتساب الطلقة، بل إنهما قد ذكرا لفظا يدل علي رد الطلقة و عدم احتسابها. فهو شاهد لحديث أبي الزبير الذي روي لفظ «فردها ولم يرها شيئا»

 

ولذلك قال الألباني - رحمه الله -:

«وأما دعوى أبى داود أن الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير , فيرده طريق سعيد بن جبير التى قبله , فإنه موافق لرواية أبى الزبير هذه فإنه قال:

«فرد النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك على حتى طلقتها وهى طاهر».

وإسنادها صحيح غاية كما تقدم فهى شاهد قوى جدا لحديث أبى الزبير ترد قول أبى داود المتقدم ومن نحا نحوه مثل ابن عبد البر والخطابى وغيرهم.» [إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: 7/ 130]

 

وقد رد البعض علي الألباني فقال: ليس فيه إلا رد الطلاق عليه وهذا اتفقت الروايات عليه لكن ليس فيه أنه لم يحتسبها عليه طلقة. انتهي.

قلت: ما اتفقت الروايات عليه هو رد امرأته عليه أما رد الطلاق عليه فشيء آخر، وهو بظاهره يستلزم عدم الاحتساب، وإلا لا يكون لرد الطلاق عليه معني، فالمرء يراجع بعد الطلاق امرأته لا طلقته التي احتسبت، والتي ترد إلي الطالق هي امرأته لا طلقته المحسوبة، فالطلقة إما تحتسب فلا ترد إلي الطالق، وإما لا تحتسب فترد إلي الطالق، فالاحتساب والرد في طلقة ضدان لا يجتمعان.

ولو سلمنا أن هذا اللفظ في رواية أبي بشر و يونس بن عبيد ليس صريحا في عدم الاحتساب، فقد كفي بهما مخالفة عدم ذكرهما لفظ الاحتساب، فهو نوع من المخالفة بلاشك.

.

ثالثا: طريق أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني

رواه عنه اثنان واختلفا في متنه وهما:

معمر بن راشد الأزدي الحداني

عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان

 

رواية معمر بن راشد الأزدي الحداني عن أيوب

رواه معمر عن أيوب فلم يذكر هو أيضا لفظ احتساب الطلقة بل ذكر ما هو موافق في المعني لما ذكره أبو بشر و يونس عن سعيد بن جبير.

فقال الإمام عبد الرزاق (المتوفي211) - رحمه الله -:

عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، وسعيد بن جبير، أن ابن عمر كان طلق امرأته التي طلق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حائضا، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمره أن يراجعها، ثم يتركها، حتى إذا حاضت، ثم طهرت طلقها قبل أن يمسها قال: «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق النساء لها» [مصنف عبد الرزاق، ت الأعظمي: 6/ 308 وإسناده صحيح علي شرط الشيخين]

 

رواية عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان عن أيوب

رواه عبد الوارث عن أيوب فزاد ذكر احتساب الطلقة خلافا للجميع فقال الإمام البخاري - رحمه الله -:

وقال أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال: «حسبت علي بتطليقة» [صحيح البخاري (نشردارطوق النجاة) 7/ 41 رقم 5253 النسخة الهندية ج2ص790]

 

قلت: قد سبق أن هذه الرواية معلقة ولا يوجد لها إسناد موصول صحيح أما ما ذكروه أن الإمام أبا نعيم وصله فليس بين أيدينا هذ الإسناد بتمامه حتي ينظر في جميع رجال السند. علي هذا رواية عبدالوارث هذه لا تثبت أصلا.

 

ولو ثبتت فما ذكره من لفظ احتساب الطلقة قد خولف فيه في جميع طبقات السند

فقد خالفه من رواه معه عن أيوب كما تقدم

كما خالفه الرواة عن سعيد بن جبير كما تقدم

وكذلك خالفه الرواة عن ابن عمر - رضي الله عنه -

فقد رواه عن ابن عمر - رضي الله عنه - عشرة نفر ولم يذكر أحد منهم لفظ احتساب الطلقة وهم:

 

(1) نافع مولي ابن عمر - رحمه الله - (صحيح البخاري 7/ 41 رقم 5251)

(2) سالم بن عبد الله - رحمه الله - (صحيح البخاري 6/ 155رقم 4908)

(3) يونس بن جبير - رحمه الله - (صحيح البخاري 7/ 59 رقم 5333)

(4) أنس بن سيرين - رحمه الله - (صحيح مسلم 2/ 1097رقم1471)

(5) عبدالله بن دينار - رحمه الله - (صحيح مسلم 2/ 1095رقم 1471)

(6) طاوس بن كيسان - رحمه الله - (صحيح مسلم 2/ 1097رقم 1471)

(7) محمد بن مسلم أبو الزبير - رحمه الله - (مصنف عبد الرزاق 6/ 309 رقم 10960 وإسناده صحيح)

(8) شقيق بن سلمة أبو وائل - رحمه الله - (مصنف ابن بي شيب. سلفية: 5/ 3 وإسناده صحيح)

(9) ميمن بن مهران - رحمه الله - (السنن الكبري للبيهقي، ط الهند: 7/ 326 وإسناده صحيح)

(10) مغيرة بن يونس - رحمه الله - (شرح معاني الآثار 3/ 53 رقم 4464 وإسناده حسن)

 

فعبد الوارث هو الوحيد الذي يذكر هذا اللفظ ولم يتابعه أحد بل خالفه الرواة في جميع الطبقات.

فلا يمكن القول بتصحيح روايته علي أية حال.

 

بهذة العلة أعل ابن القيم-رحمه الله- هذه الرواية فقال:

«وفي لفظ للبخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عمر: " فحسبت علي بتطليقة " , ولكن هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن جبير عنه , وخالف نافع وأنس بن سيرين ويونس بن جبير وسائر الرواة عن ابن عمر , فلم يذكروا " فحسبت علي "» [عون المعبود مع حاشية ابن القيم (6/ 171 - 172)، تهذيب السنن لابن القيم (ص: 868 - 870)]

 

وما يدرينا لعل الإمام البخاري ما عدل عن صيغة التحديث إلي صيغة التعليق في هذه الرواية إلا للإشارة إلي شذوذ هذا اللفظ، كما ذكر الدكتور شريف حاتم العوني في أسباب معلقات الأسانيد في صحيح البخاري فقال:

«السبب الثاني: يقول الحافظ ابن حجر: أنه وجد الإمام البخاري إذا حصل اختلاف في الحديث في إسناده، أو في متنه، فإنه يخرج في صحيحه الرواية الراجحة مسندة متصلة، ثم يعلق الرواية المرجوحة ليبين لك أنه على علم بالخلاف، لا يأتي واحد ويقول: والله الإمام البخاري فاته الخلاف ولعل الرواية التي تركها هي الأرجح من الرواية التي ذكرها، فيذكر الرواية المرجوحة معلقة حتى يعرف القارئ أن الإمام البخاري كان على اطلاع بهذه الرواية وإنما تركها لأنها عنده مرجوحة أي خطأ ووهم ممن رواها.» [مصادر السنة ومناهج مصنفيها: ص: 16 ترقيم الشاملة]

 

قلت: فلا يبعد أن يكون حامل البخاري علي تعليق هذه اللفظة أيضا هو السبب نفسه. فإنه بوب «إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق» فذكر حديثا مسندا موصولا علي شرطه، ثم أعقبه بتعليق هذا الحديث، ولم يذكر في الباب سوي هذين الحديثين.

وما نقل الدكتور من كلام ابن حجر لم أهتد إلي مصدره فلعله نقل بالمعني والله أعلم.

 

وقد كتب الباحث سعيد محمد علي بواعنة رسالة للحصول علي درجة الدكتوراة في الحديث بعنوان: «تعليق الإمام البخاري عن شيوخه في كتابه الجامع الصحيح دراسة نظرية و تطبيقية»

وذكر في فهرس المحتويات:

الفصل الثالث: تعليق الإمام البخاري عن شيوخه لأغراض تعلق بالمتن

المبحث الثاني: بيان الاختلاف علي الشيخ في المتن

المبحث الخامس: بيان النكارة في المتن

 

وليس هذا البحث في متناول يدي وإنما وقفت علي فهرسه.

 

فلاجرم إذن أن البخاري لم يعلق هذا الحديث إلا لبيان شذوذ هذه اللفظة «حسبت علي بتطليقة».

 

ويؤيده أن الإمام البخاري اختصر هذا الحديث فلم يذكر إلا لفظ «حسبت علي بتطليقة» مع أن الحديث أطول من هذا كما هو عند أبي نعيم الذي وصله، كما ذكر الحافظ ابن حجر والعلامة العيني.

 

فذكر البخاري حديثا مسندا في الباب ثم تعليقه لهذا الحديث واختصاره و اقتصاره علي هذا اللفظ «حسبت علي بتطليقة»، ليس المقصود منه اللهم إلا الإشارة إلي شذوذه. وإذا رأينا الحديث من طرق أخري فنجد أن شيخ البخاري تفرد بذكر هذا اللفظ و خولف في جميع طبقات السند، فهذا تفرد شديد منه، فنكاد نجزم بأن مقصود البخاري من هذا التعليق هو بيان شذوذ هذا اللفظ. والله أعلم.

 

والعجيب أن البعض يعلون حديث طاووس عن ابن عباس في الطلاق الثلاث المخرج في صحيح مسلم بل بعض المعاصرين يعدونه موضوعا وباطلا مع كونه في صحيح مسلم بحجة أن سائر الرواة عن ابن عباس لم يذكروه.

وهذا ليس بشيء لأن هؤلاء لم يرووا عن ابن عباس حديثا مرفوعا مخالفا لمارواه طاووس عن ابن عباس وإنما رووا فتواه فهما روايتان مستقلتان منفصلة إحداهما عن الأخري تماما. فكيف تعل هذه بتلك؟

 

وهذا كما رواه ابن أبي شيبة من طريق نافع أنه قال:

قال ابن عمر: من طلق امرأته ثلاثا، فقد عصى ربه، وبانت منه امرأته [مصنف ابن أبي شيبة. سلفية: 5/ 11]

وسائر الرواة عن ابن عمر يذكرون حديثه المرفوع في طلاق الحيض بل هو متواتر عن ابن عمر.

فهل يقال أن رواية نافع هذه معلولة لأن سائر الرواة عن ابن عمر يخالفونه؟

كلا! بل يقال هنا أيضا أن هذه رواية مستقلة لفتواه وباقي الرواة عن ابن عمر رووا حديثه المرفوع

 

وكذا القول في رواية طاووس عن ابن عباس في صحيح مسلم بأنها رواية مستقلة في طلاق الثلاث، وباقي الرواة عن ابن عباس إنما رووا فتواه.

 

وإني أتعجب كل العجب من أولئك الذين يضعفون حديث طاووس في الطلاق الثلاث من صحيح مسلم بحجة المخالفة رغم عدم وجودها، ثم لا يضعفون بنفس الحجة هذا الحديث الذي لم يوصله البخاري بل رواه معلقا من طريق عبدالوارث عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وسائر الرواة عن ابن عمر هنا لم يذكروا لفظ احتساب الطلقة، بل الرواة عن سعيد بن جبير أيضا لم يذكروه، وكذلك من روي عن أيوب أيضا لم يذكره. فهذا كما نري تفرد شديد من عبدالوارث، و خولف مخالفة شديدة من رواة جميع الطبقات، فأي حديث أولي بالتضعيف بحجة المخالفة؟

 

هذا ما ظهر لي، فإن أصبت، فمن الله وفضله وله الحمد وهووليي، وإن أخطأت، فمن نفسي، والله تعالي أسأل أن يغفر لي ذنبي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي؛ إنه عفو كريم غفور رحيم، ومن كان عنده فضل علم؛ فليتفضل به ونحن له إن شاء اللّه من الشاكرين ونسأل المولي سبحانه و تعالي أن يأخذ بأيدينا و يهدينا إلي الحق الذي اختلف فيه الناس، إنه يهدي من يشاء إلي الصراط المستقيم، و الحمدلله رب العالمين.

 

وكتبه: أبوالفوزان السنابلي

.


No comments:

Post a Comment