الطلاق الثلاث، وطلاق البدعة وطلاق الحيض - Kifayatullah Sanabili Official website

2020-05-26

الطلاق الثلاث، وطلاق البدعة وطلاق الحيض

 

الطلاق الثلاث، وطلاق البدعة وطلاق الحيض

{كتبه: أبوالفوزان السنابلي}

لعل أقوى ما يستدل به على وقوع الطلاق الثلاث هو وقوع طلاق البدعة، ومن أقوى ما يستدل به على وقوع طلاق البدعة هو ما أورده البخاري من قول ابن عمر «حسبت علي بتطليقة»، يعني طلاقه في الحيض.

وقد أجيب بأجوبة: منها بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه وليس هذا كقول الصحابي: "أمرنا بكذا"، فإن "الأمر" لايكون إلا من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته. وأما "احتساب الطلقة" فيحتمل أن يكون من النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، كما يحتمل أن يكون من غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته، من العالم والمفتي.

ويرجح هذا الاحتمال الأخير أن أصحاب ابن عمر- رضي الله عنه - قد تتابعوا الإستفسار و أكثروا السؤال حول احتساب طلقته، فلم يجب ابن عمر أحدا منهم بنص من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أجاب بكلمات تدل علي أن الاحتساب كان بإجتهاد منه رضي الله عنه.

ففي رواية يونس بن جبير عندالبخاري: «أرأيت إن عجز واستحمق؟»

وفي رواية أنس بن سيرين عند مسلم: «ما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت؟»

وفي رواية سالم بن عبد الله عند أبي يعلي: «فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها»

وكذلك في سائر الروايات الثابتة عنه. وكل هذا ليس بإخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حسبها، بل مجرد اجتهاد ورأي منه.

فلو كان عنده نص من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الاحتساب لبادر بذكره، فإنه معروف بإتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتي في العادات بله العبادات.

فهل يعقل أن ابن عمر - رضي الله عنه - يوجد لديه نص من النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسئلة، ثم يجيب فيها بمجرد رأي واجتهادمنه؟ حاشاه من ذلك!

ومن هنا ظهر فساد القول بأن ابن عمر - رضي الله عنه - صاحب القصة، فالإعتبار بإحتسابه أولي.

قلت: هذا الاحتساب ليس مرجعه نص رواه حتي يقال هو أعلم بما روي؛ بل لوكان معه نص رواه و ظاهره يخالف ما را?ه؛ فالعبرة بما روي لا بما رأي؛ فكيف إذا لم يكن معه نص البتة؟ فكون ابن عمر صاحب القصة لا يقوي رأيه لخلوه من النص المعصوم.

وقد يتساءل البعض، فيقول: لماذا لم يسأل ابن عمر - رضي الله عنه - من النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قضية الاحتساب؟ ولم يحفظ نصا صريحا واضحا في ذلك؟

والجواب: أن ابن عمر - رضي الله عنه - لم يكن بحاجة إلي ذلك، لأن المرء يحتاج إليه إذا سبق أن طلق تطليقتين من قبل، ثم أراد أن يطلق أخري بعد ذلك، فهنا يتغير الحال، فإنه لا رجوع بعد الطلاق الثلاث، ولا نفقة للمطلقة ولا سكني لها إلا أن تكون حاملا، فلا بد من المعرفة بجميع التطليقات السابقة، هل وقعت كلها فلا يكون بعدها رجوع؟ أم لم تقع بعضها فبقي عنده ا?خر التطليقات.

أما إذا أراد أحد أن يطلق الطلقة الأولي أوالثانية، فمابه حاجة في الوقت نفسه إلي احتساب الطلقة. فابن عمر - رضي الله عنه - في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتعرض إلا لقضية الطلاق، ولم يهتم بقضية الاحتساب لعدم الحاجة إليها.

فالذي يتعلق من أمر ابن عمر بعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هو طلاقه فحسب، أما قضية الإحتساب والإهتمام به فليس له أدني تعلق بعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة إلي ابن عمر، لأنه لم يحتج إلي ذلك وقتئذ.

لكن لما اشتهر ابن عمر - رضي الله عنه - بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلمه و فتواه، وحضر إليه الطلاب من كل جانب، وسمعوا منه قضية طلاقه؛ طرحوا السؤال أمامه حينئذ عن قضية الاحتساب أيضا ?فأجاب ابن عمر - رضي الله عنه - طلابه بما أدي اليه اجتهاده ورأيه.

كل هذا يدل أن الحاسب في قوله: «حسبت علي بتطليقة» وهو غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعله هو أبوه عمر رضي الله عنه، حسبها عليه بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ألزم الناس بالطلاق الثلاث لئلا يتتابعوا في الطلاق المحرم؛ ثم أخذه ابن عمر - رضي الله عنه -.

ويؤيد هذا أن ابن عمر - رضي الله عنه - لعله قد تراجع فيما بعد عن احتساب طلاق الحائض فقد أخرجه ابن حزم في "المحلي" (9/ 375،ت بيروت) بسند صحيح من طريق عبدالوهاب عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه -أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض " لا يعتد بذلك".وصححه ابن حزم في "المحلي" (9/ 381،ت بيروت) والحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 354).

وورد في بعض الطرق من قول ابن عمر: "إذا طلقها وهى حائض لم تعتد بتلك الحيضة" كما عند البيهقي (7/ 418).

ولا منافاة بينهما بل غاية الأمر أن يكون تمام قول ابن عمر - رضي الله عنه -هو عدم اعتداد طلاق الحيض، و من ثم عدم عدة المرأة به؛ فربما ذكر عبدالوهاب هذا وربما ذكر هذا. أفاده العلامة محمد رئيس ندوي - رحمه الله - في "تنوير الا?فاق في مسئلة الطلاق" (ص 345).

فيغلب أن هذا هو الذي استقر عليه رأي ابن عمر أخيراً. بدليل أن ناقله عنه هو نافع - رحمه الله -وهومن أخص تلاميذه؛ وهذا هو الأقرب إلى ظاهر الأحاديث المرفوعة في الباب.

فتبين مما سبق أن فاعل الحساب في قول ابن عمر «حسبت علي بتطليقة» هو غير النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا يقال إذا افترضنا أن حديث ابن عمر بلفظ: «حسبت علي بتطليقة» ثابتة، ولا أظنه كذلك.

فإن البخاري قد أورده معلقا ولم يوصله في موضع آخر من كتابه، فهذا الحديث لا يكون علي شرطه ولا يدخل في أصل صحيحه، و هذا مقال لي في تخريج هذا الحديث لم أكتبه كبحث نهائي، ولا أجزم بما توصلت إليه من النتائج، بل طرحته أمام أهل العلم وطلاب علم الحديث للنظر والمناقشة. عسي أن أصل - بعد الوقوف علي آرائهم وتعليقاتهم - إلي قول نهائي في ثبوت هذه اللفظة من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أو عدم ثبوتها، إن شاء الله. فالرجاء من أهل العلم أن يتفضلوا بإدلاء ما لديهم من الآراء والملاحظات. وجزاهم الله خيرا ونفع بهم.

وكتبه

{أبوالفوزان كفايت الله السنابلي}

مومبائي، الهند

رابط مقالي بعنوان (تخريج حديث طلاق ابن عمر لزوجته وهي حائض بلفظ «حسبت علي بتطليقة») على ملتقى أهل الحديث:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=373211

 

ورابط التحميل:

http://www.mediafire.com/file/585h58lgl8mhnwg/talatqu-e-+haiz.pdf

وبارك الله فيكم

 

No comments:

Post a Comment