تخريج حديث: «حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة، فلحستها ما أدت حقه» (5) - Kifayatullah Sanabili Official website

2020-04-09

تخريج حديث: «حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة، فلحستها ما أدت حقه» (5)

 



تخريج حديث: «حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة، فلحستها ما أدت حقه» (5)

***

(كتبه: أبوالفوزان السنابلي)

.

* حديث أبي أمامة رضي الله عنه

قال الإمام الطبراني - رحمه الله -:

حدثنا محمد بن نوح بن حرب العسكري، ثنا خالد بن يوسف السمتي، ثنا عبد النور بن عبد الله، ثنا يونس بن شعيب، عن أبي أمامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: سأل رجل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، ما حق الزوج على المرأة؟ قال: «لو أن امرأة خرجت من بيتها، ثم رجعت إليه، فوجدت زوجها قد تقطع جذاما يسيل أنفه دوما فلحسته بلسانها ما أدت حقه، وما لامرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، ولا أن تعطي من بيت زوجها إلا بإذنه» (المعجم الكبير للطبراني 8/ 259)

قلت: هذا إسناد تالف، مسلسل بالعلل، وقد انفرد به الإمام الطبراني.

ولا حظ له في الشواهد، وإنما ذكرته للمعرفة فقط، فلا أطيل الكلام عليه.

.

* حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه

متن الحديث:

------

عن عائذ الله بن عبد الله: أن معاذا قدم عليهم اليمن فلقيته امرأة من خولان معها بنون لها اثنا عشر، فتركت أباهم في بيتها أصغرهم الذي قد اجتمعت لحيته، فقامت فسلمت على معاذ ورجلان من بنيها يمسكان بضبعيها فقالت: من أرسلك أيها الرجل؟ قال لها معاذ: أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت المرأة: أرسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‍؟ أفلا تخبرني يا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال لها معاذ: «سليني عما شئت». قالت: حدثني ما حق المرء على زوجته؟ قال لها معاذ: «تتقي الله ما استطاعت وتسمع وتطيع». قالت: أقسمت بالله عليك لتحدثني ما حق الرجل على زوجته؟ قال لها معاذ: «أو ما رضيت أن تسمعي وتطيعي وتتقي الله؟» قالت: بلى. ولكن حدثني ما حق المرء على زوجته؛ فإني تركت أبا هؤلاء شيخا كبيرا في البيت؟ فقال لها معاذ: «والذي نفس معاذ في يده لو أنك ترجعين إذا رجعت إليه، فوجدت الجذام قد خرق لحمه، وخرق منخريه فوجدت منخريه يسيلان قيحا ودما، ثم ألقمتيهما فاك لكي ما تبلغي حقه ما بلغت ذلك أبدا»

.

تخريج الحديث:

--------

أخرجه أحمد في «مسنده» (36/ 395) ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (26/ 157) من طريق هاشم.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (20/ 87) من طريق أبي الوليد الطيالسي.

وأخرجه عبد الجبار الخولاني في «تاريخ داريا» (ص: 114) ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (26/ 157) من طريق محمد بن يوسف الفريابى.

كلهم (هاشم و أبو الوليد الطيالسي، والفريابي) من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب، عن عائذ الله بن عبد الله به، مرسلا عن معاذ وموقوفا عليه.

وأخرجه ابن إسحاق كما في «سيرة ابن هشام» (2/ 590) بنحوه معضلا.

.

دراسة الإسناد:

-------

مدار السند: [عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب، عن عائذ الله بن عبد الله مرسلا عن معاذ وموقوفا عليه].

و رجاله معروفون ما بين ثقة و صدوق.

أما عائذ الله بن عبد الله، فهو «عائذ الله بن عبد الله بن عمرو أبو إدريس الخولانى» وهو ثقه معروف من رجال الستة.

وأما شهر بن حوشب، فقد تقدم أنه متكلم فيه، والراجح فيه أنه صدوق حسن الحديث.

أما عبد الحميد بن بهرام فهو ثقة أنظر: (تحرير تقريب التهذيب رقم 3753)

و روايته من أصح الروايات عن شهر بن حوشب فإنه ثبت فيه.

قال يحيي بن سعيد القطان: «من أراد حديث شهر فعليه بعبد الحميد» (التاريخ الكبير للبخاري، 6/ 54)

و كان يروى عن شهر بن حوشب من كتاب كما قال ابن المديني. (سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني ص: 36)

.

وإسناد الإمام أحمد إلي عبد الحميد بن بهرام صحيح، فإن شيخ أحمد «هاشم بن القاسم» ثقة ثبت معروف من رجال الستة.

وإسناد الطبراني إلي عبدالحميد صحيح، أما «أبو الوليد الطيالسى» فهو إمام حافظ ثقة ثبت معروف من رجال الستة.

وأما «أبو خليفة الفضل بن الحباب» فهو ثقة كما فصلت القول فيه في (أنوار البدر في وضع اليدين علي الصدر: ص549)

وأما إسناد عبد الجبار الخولاني ففيه «محمد بن أيوب الخشاب» لم أقف له علي ترجمة، وبقية رجاله ثقات.

.

الاختلاف في سماع أبي مسلم الخولاني من معاذ رضي الله عنه

---------------------------------

اختلف الأئمة في سماع أبي مسلم الخولاني من معاذ - رضي الله عنه -، فأثبته الطحاوي في «شرح مشكل الآثار»، (10/ 39)، و ابن عبد البر في «التمهيد» (21/ 125) وفي «الاستغناء» (1/ 366)، و كذلك ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (26/ 157)، و قد جعل ابن عساكر - رحمه الله - هذا الحديث من جملة الأدلة التي تثبت سماع أبي مسلم الخولاني من معاذ رضي الله عنه.

لكن الأكثر من المحدثين مثل الدارقطني، و أبي حاتم، و أبي زرعه - رحمهم الله - قد نفوا سماعه من معاذ - رضي الله عنه -، و صرحوا بأن الأدلة التي استند اليها المثبتون كلها ضعيفة و معلولة لا تقوم بها حجة. و قول هؤلاء الأئمة وجيه قوي من حيث الأدلة.

.

علي أن أبا مسلم الخولاني قد ذكر الراوية هنا بصيغه الإرسال بلفظ «أن معاذا قدم عليهم اليمن فلقيته امرأة»، و لم يحدث بها عن معاذ تحديثا بأي صيغة من صيغ التحمل مثل «حدثني» و «سمعت» و «عن» و ما إلى ذلك.

وفي الرواية قصة حدثت مع معاذ في اليمن، و لا يعرف عن أبي مسلم الخولاني أنه نزل اليمن، بل ذكروا عنه أنه كان في دمشق وسكن هناك. فيبقي الإسناد علي كل حال منقطعا و مرسلا عن معاذ رضي الله عنه.

.

الحديث مرفوع حكما

-----------

هذا الحديث وإن كان موقوفا علي معاذ - رضي الله عنه - لكن له حكم الرفع، كما يدل عليه السياق.

فإن المرأة قالت: «أرسلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ‍؟ أفلا تخبرني يا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟».

و لفظ ابن اسحاق: «قالت: والله لئن كنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك لتعلم ما حق الزوج على المرأة».

فالظاهر أن المرأة طلبت منه أن يجيب بما استفاده من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم.

و وردود هذا الحديث من غير طريقه مرفوعا يؤكد ذلك، والله أعلم.

.

الحكم علي الإسناد والحديث:

----------------

إسناده حسن لكنه مرسل عن معاذ، لأن أبا مسلم الخولاني لم يشهد القصة التي رواها، و لم يسمعها من معاذ. وقال حمزه أحمد الزين في تعليقه علي «مسند الإمام أحمد» (رقم 21977): «إسناده حسن»، وأقول: هو كذلك؛ لولا أن أبا مسلم الخولاني أرسله عن معاذ - رضي الله عنه -. والحديث موقوف علي معاذ لكنه في حكم المرفوع كما قدمنا، فهو صحيح بما مضي له من الشواهد الكثيرة.

 

خلاصة البحث:

--------

هذا الحديث ورد من عدة طرق من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و أبو هريرة و عامر الأشعري و أبو أمامة و معاذ بن جبل رضي الله عنهم.

وهو بمجموع طرقه صحيح ثابت بلا ريب، ولا سيما و بعض طرقه حسن لذاته كما تقدم.

وقد صححه أو حسنه جمع من الأئمة و أهل العلم: منهم الحاكم، وابن حبان، والضياء، والمنذري، وابن كثير، و من المعاصرين العلامة الألباني، و شعيب الأرنؤوط، و حسين سليم أسد الدّاراني، و عمرو عبدالمنعم سليم، و حمزه أحمد الزين وغيرهم.

 

بعض الأئمة الذين ذكروا هذا الحديث واستدلوا به

--------------------------

ذكر هذا الحديث غير واحد من الأئمة و أهل العلم في كتبهم واستدلوا به، مثل ابن الجوزي في «احكام النساء» (ص 211)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (9/ 6)، وابن القيم في «إعلام الموقعين» (4/ 247) وغيرهم.

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - عن امرأة تزوجت وخرجت عن حكم والديها. فأيهما أفضل: برها لوالديها أو مطاوعة زوجها؟

فأجاب:

الحمد لله رب العالمين، المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها وطاعة زوجها عليها أوجب قال الله تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة؛ إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك» ... وفي المسند عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تجري بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه». (مجموع الفتاوى، ت ابن قاسم: 32/ 262)

.

فوائد الحديث

-------

وفي هذا الحديث تمثيل لبيان حق الزوج وليس المراد منه أن تاتي المرأة بذلك حقيقة، بل المقصود منه المبالغة في بيان حق الزوج على زوجته، قال المناوي:

«ومقصود الحديث الحث على عدم عصيان العشير والتحذير من مخالفته ووجوب شكر نعمته» (فيض القدير 5/ 329)

وفي الحديث فوائد وأحكام.

منها:

تاكيد حق الزوج وتعظيم شأنه، قال الأمير الصنعاني:

«ولا يخفى ما في هذا التمثيل من بيان تأكد حق الزوج» (التنوير شرح الجامع الصغير 5/ 368)

ومنها:

استحباب تحمل المكاره للمرأة عن زوجها. قال ابن حبان في ترجمته علي هذا الحديث:

«ذكر استحباب تحمل المكاره للمرأة عن زوجها رجاء الإبلاغ في قضاء حقوقه» (التقاسيم والأنواع 1/ 438، صحيح ابن حبان، ت الأرنؤوط: 9/ 472)

ومنها:

عدم وجوب الزواج علي المرأة أصلا. فهذا الحديث من جملة الأحاديث التي استدل بها أهل العلم علي ذلك، قال الشيخ مصطفى العدوي:

«وبهذا استدل فريق كبير من أهل العلم بل الجمهور على أن النكاح لا يجب على المرأة، حتى ابن حزم الظاهري الذي أبعد في مسائل النكاح مباعد شتى لم يقل بوجوب النكاح على النساء لهذا الحديث ولغير» (دروس للشيخ مصطفى العدوي 5/ 22 بترقيم الشاملة آليا)

وقال صاحب فتاوى الشبكة الإسلامية:

«فلا يمكن أن نقول إن النكاح يجب على المرأة إلا أن يتوفر فيها شرط وجوبه، ويدل على أنه ليس واجبا عليها بالأصالة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقر المرأة التي امتنعت عن التزويج على امتناعها، لما قالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا تنكحوهن إلا بإذنهن. فلو كان فعلها محرما لما أقرها عليه لأنه لا يقر على المعصية. والحديث حسن صحيح، رواه البزار بإسناد جيد، رواته ثقات مشهورون، وابن حبان في صحيحه. انظر صحيح الترغيب والترهيب» (فتاوى الشبكة الإسلامية 13/ 1136 بترقيم الشاملة آليا)

.

هذا ما تيسر لي من الكلام والبحث في تخريج هذا الحديث الشريف وبيان حكمه و درجته و بعض فوائده، فإن أصبت، فمن الله وفضله، وإن أخطأت، فمن نفسي، ومن كان عنده فضل علم أو ملاحظة أو ما يزيد الموضوع سعة، فليتفضل به وأشكره عليه سلفا؛ ونسأل الله أن يأخذ بأيدينا و يهدينا إلي الحق الذي اختلف فيه الناس، إنه يهدي من يشاء إلي الصراط المستقيم، و الحمدلله رب العالمين.

.

وكتبه:

أبوالفوزان السنابلي

رابط المبحث السابق

https://www.kifayats.com/2021/08/biwi-par-shauhar-ka-haq-4.html

No comments:

Post a Comment