تخريج حديث: «حق الزوج على زوجته لو
كانت به قرحة، فلحستها ما أدت حقه» (1)
***
(كتبه: أبوالفوزان السنابلي)
ورد هذا الحديث عن جماعة من أصحاب
النبى - صلى الله عليه وسلم - وهم أبو سعيد الخدري، و أنس بن مالك، و أبو هريرة، و
عامر الأشعري، و أبو أمامة، و معاذ بن جبل، رضي الله عنهم.
.
* حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
متن الحديث:
------
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -
أن رجلا أتى بابنة له إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن ابنتي هذه أبت أن
تتزوج، قال: فقال لها: «أطيعي أباك» قال: فقالت: لا، حتى تخبرني ما حق الزوج على
زوجته؟ فرددت عليه مقالتها قال: فقال: «حق الزوج على زوجته أن لو كان به قرحة
فلحستها، أو ابتدر منخراه صديدا أو دما، ثم لحسته ما أدت حقه» قال: فقالت: والذي
بعثك بالحق لا أتزوج أبدا قال: فقال: «لا تنكحوهن إلا بإذنهن».
.
تخريج الحديث:
--------
أخرجه ابن أبي شيبه في «مصنفه» (3/
556).
و أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (5/
176) والبزار كما في «كشف الأستار» (2/ 178) وابن حبان في «صحيحه» (9/ 472) عن
محمد بن إسحاق بن خزيمة، كلهم (النسائي والبزار و محمد بن إسحاق بن خزيمة) من طريق
أحمد بن عثمان بن حكيم.
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/ 205)
و عنه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/ 476) من طريق محمد بن عبد الوهاب الفراء.
وأخرجه الدارقطني في «سننه» (4/ 343)
من طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه.
وأخرجه البزار كما في «كشف الأستار»
(2/ 178) من طريق أحمد بن منصور بن سيار.
جميعهم (ابن أبي شيبه وأحمد بن عثمان
بن حكيم و محمد بن عبد الوهاب الفراء و محمد بن عبد الملك بن زنجويه و أحمد بن
منصور بن سيار) عن جعفر بن عون عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن
نهار العبدي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - به.
.
دراسة الإسناد:
-------
مدار السند: [جعفر بن عون عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن نهار
العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا].
و رجاله معروفون ما بين ثقة و صدوق.
.
أما نهار العبدي، فقال النسائي: «وهو مدني لا بأس». (السنن الكبرى للنسائي 5/ 176)
وذكره ابن حبان في «الثقات» (الثقات
لابن حبان 5/ 481)
و وثقه المنذري بقوله: «رواته ثقات
مشهورون» (الترغيب والترهيب للمنذري 3/ 35)
وقال الذهبي: «ثقة» (الكاشف للذهبي ت
عوامة: 2/ 326)
وقال الحافظ ابن حجر: «صدوق» (تقريب
التهذيب: رقم7195)
.
وأما محمد بن يحيى بن حبان فهو ثقة مشهور من رجال الستة.
وقال الذهبي: «وهو مجمع على ثقته»
(تاريخ الإسلام 3/ 531)
.
وأما ربيعة بن عثمان فهو من رجال مسلم و وثقه جماعة.
فقال وكيع بن الجراح: «وكان ثقة»
(الثقات لابن ابن شاهين: ص: 86)
وقال ابن سعد: «وكان ثقة ثبتا»
(الطبقات لابن سعد ت عبد القادر: 5/ 448)
وقال ابن معين: «ربيعة بن عثمان ثقة»
(الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 3/ 477)
وقال ابن نمير: «ربيعة بن عثمان مدني
ثقة» (إكمال تهذيب الكمال 3/ 39)
وقال الحاكم: «من ثقات أهل المدينة»
(سؤالات السجزي: ص: 58)
ونقل المزي عن النسائي: «ليس به بأس»
(تهذيب الكمال للمزي: 9/ 133)
وذكره ابن حبان وابن شاهين وابن خلفون
في «الثقات» (الثقات لابن حبان 6/ 301، الثقات لابن شاهين: ص 86، إكمال التهذيب 3/
39)
.
وقال أبوزرعه: «هو إلى الصدق ما هو،
وليس بذاك القوي» (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم / 476)
قلت: هذا تليين هين و ليس معناه أنه
ضعيف كما صرح بذلك الأئمة وأهل العلم.
فهذا الإمام الذهبي - رحمه الله - ينقل
عن بعض الأئمة فيقول:
«ليس بالقوي ليس بجرح مفسد». (الموقظة
للذهبي 82)
وقال العلامة المعلمي - رحمه الله -:
«وكلمة ليس بالقوي إنما تنفي الدرجة
الكاملة من القوة» (التنكيل 1/ 442)
وقال الألباني - رحمه الله -:
«وقول أبي حاتم ليس بالقوي فهذا لايعني
أنه ضعيف». (النصيحة ص183)
وقال عبدالحي اللكنوي - رحمه الله -:
«مجرد الجرح بكون الراوي ليس بالقوي لا
ينافي كون حديثه حسناً إن لم يكن صحيحاً». (إمام الكلام 4/ 29)
.
وقال أبوحاتم: «هو منكر الحديث يكتب
حديثه» (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ت المعلمي: 3/ 476)
قلت: انفرد أبو حاتم بهذا التليين
وخالف سائر الأئمة الذين وثقوه، وهو متعنت في جرح الرواة كما شهد بذلك غير واحد من
أئمة هذا الشان.
فقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في
مقدمة الفتح:
«وأبو حاتم عنده عنت» (مقدمة فتح
الباري ص: 441)
وقال الحافظ الذهبي:
«قد علم تعنت أبي حاتم في الرجال»
(تذكرة الحفاظ 2/ 8)
وقال أيضا:
«إذا وثق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله،
فإنه لا يوثق إلا رجلا صحيح الحديث، وإذا لين رجلا، أو قال فيه: لا يحتج به، فتوقف
حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد، فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت
في الرجال» (سير أعلام النبلاء للذهبي: 13/ 260)
فانطلاقا من شهادة الذهبي وابن حجر
رحمهما الله حين نري ما قاله فيه غيره من الأئمة، نجد أنهم متفقون علي توثيقه
وتعديله، وحين أورده الذهبي في «من تكلم فيه وهو موثق» وذكر قول أبي حاتم فيه، علق
عليه الشيخ الدكتور عبد الله بن ضيف الله الرحيلي بقوله:
«وكأن أبا حاتم تشدد في الرجل، ولم
يفسر جرحه» (من تكلم فيه وهو موثق ت الرحيلي ص204)
إذن لا يلتفت إلي قول أبي حاتم - رحمه
الله - قطعا.
.
وأما جعفر بن عون، فهو ثقة ثبت من رجال الستة و متفق علي توثيقه.
قال ابن سعد: «وكان ثقة كثير الحديث»
(الطبقات الكبرى 6/ 396)
وقال العجلي: «ثقة، وكان متعبدًا»
(تاريخ الثقات للعجلي: ص: 98)
وقال ابن معين: «ثقة» (تاريخ ابن معين،
رواية الدارمي: ص: 85)
وقال الذهبي: «أحد الأثبات» (تاريخ
الإسلام 5/ 44)
وقال صاحِبَا «تحرير التقريب»: «ولا
نعلمُ فيه جرحًا» (تحرير التقريب رقم948)
.
تعليق الذهبي في «تلخيص المستدرك»
والكلام عليه
----------------------------
والإمام الحاكم - رحمه الله - بعد أن
روي هذا الحديث قال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»، فعلق عليه الذهبي
بقوله: «بل منكر قال أبو حاتم ربيعة منكر الحديث» (المستدرك للحاكم مع تعليق
الذهبي: 2/ 205)
فلعل الذهبي - رحمه الله - لم يستحضر
هنا أقوال الأئمة الآخرين فيه، يدل علي ذلك أنه قال في كتابه الآخر: «قلت: مع
نكارته إسناده صالح» (المهذب في اختصار السنن الكبير 6/ 2873)
فهنا لم يطعن الإمام الذهبي فيه من جهة
الإسناد.
و استنكاره ليس تصريحا منه بتضعيف
الحديث. فإنه يطلق هذا اللفظ علي عدد من الأحاديث الصحيحة و يريد به الغرابة فقط،
حيث قال في ترجمه «يحيى بن أيوب»: «ينفرد بغرائب كغيره من الأئمة»، ثم ذكر له
حديثا بقوله: «ومن غرائبه أيضا ... » ثم قال:
«هو على شرط مسلم، وإنما لم يخرجه
لنكارته». (تاريخ الإسلام ت بشار 4/ 541)
وقال في موضع:
«وإسناده على شرط مسلم، وإنما لم يخرجه
في صحيحه لنكارته» (تاريخ الإسلام 4/ 596)
وقال في مقام آخر:
«قلت: هذا الحديث على نكارته على شرط
الشيخين، ولم يخرجاه» (تاريخ الإسلام 4/ 480)
فيظهر من هذه العبارات وسياقها أنه لا
يقصد بذلك تضعيف الحديث دائما، بل قد يريد الغرابة فقط.
.
علي أن هذه النكارة لم يشعر به غيره
ممن صحح الحديث أو حسنه كالإمام ابن حبان، و الحاكم، و الضياء و المنذري و ابن
كثير و كثير من المعاصرين وعلي رأسهم الشيخ الألباني - رحمهم الله - وكذلك لم يشعر
به من نقل الحديث واستدل به في كتبهم كالإمام ابن الجوزي و شيخ الإسلام ابن تيمية
و تلميذه ابن القيم وغيرهم - رحمهم الله - فلا عبرة باستنكار الذهبي - رحمه الله -
وحده لاسيما مع مخالفة الأئمة الآخرين إياه.
ولذلك قال محقق «مختصر تلخيص الذهبي»
بعد أن ذكر أقوال الأئمة الذين وثقوا ربيعة بن عثمان:
«مما تقدم يتبين أن التوسط في أمره ما
قاله النسائي من أنه ليس به بأس، فعليه يكون الحديث بهذا الإِسناد حسناً» (مختصر
تلخيص الذهبي 2/ 652)
.
دعوي مخالفة الحديث للحس والذوق والرد
عليه
---------------------------
قد حاول بعض المعاصرين الطعن والتشكيك
في هذا الحديث بحجة أنه مخالف للحس والذوق، و بعضهم استغلوا استنكار الذهبي و
تعلقوا به بغض النظر عن مقصوده وعمدته في ذلك.
قلت: أما استنكار الذهبي فقد تقدم
الكلام عليه وبيَّنا المراد منه مع مقارنة كلامه بكلام غيره من الأئمة والحفاظ.
وأما دعوي المخالفة للحس والذوق، فما
هي من المعايير السليمة والصحيحة لنقد الحديث، ومعلوم أن الناس في أذواقهم ومواجيدهم
علي أقسام، ولهم بما يعجبون مذاهب، فهل يجوز لكل شخص أن ينتقد الأحاديث وفق ذوقه و
هواه؟ إذن تصبح الأحاديث مستباحة و ينطلق كل أحد و يقول هذا الحديث لايعجبني، هذا
الحديث يخالف العقل، ومن ثم يفتح باب لا يغلق. فالحق و الصواب الذي لا شك فيه،
والمنهج السليم الذي سار عليه السلف هو أنه إذا ثبت الأثر بطل النظر، فبعد ثبوت
الحديث لا مجال لاستنكاره بمجرد النفرة من بعض ألفاظه كما هو صنيع بعض الكتاب
المعاصرين، فإن الألفاظ لها معان مختلفة، وقد تكون فيها كنايات واستعارات و
تشبيهات و إشارات. ولو أننا فتحنا باب الاستنكار لمجرد الاستبعاد الذوق البشري
للزم إستنكار كثير من الأحاديث الصحيحة والحسنة، وهذا ليس من شأن أهل الحديث
والأثر، بل هو من دأب منكري السنة و أهل الفكر.
وهذا الحديث ليس المراد منه أن تقوم
الزوجة بذلك حقيقة، بل المقصود منه المبالغة في بيان حق الزوج على زوجته، وتعظيم
شأنه، وتأكيد طاعته في غير معصية الله، وعدم كفران نعمته. وهذا من باب قوله - صلى
الله عليه وسلم - «وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة» (رواه البخاري
رقم7142). فالمراد منه الحث علي طاعة أولي الأمر والوقوف معهم و عدم البغي و
الخروج عليهم.
.
الحكم علي الإسناد والحديث:
----------------
إسناد هذا الحديث حسن، والحديث صحيح
لأن له شواهد أخري كما سيأتي، وقد صححه ابن حبان بإخراجه في «صحيحه» (رقم 4164)
والحاكم في «المستدرك» فقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» (المستدرك
للحاكم2/ 205)، وقال المنذري: «رواه البزار بإسناد جيد رواته ثقات مشهورون»
(الترغيب والترهيب للمنذري: 3/ 35). وكذلك صححه كثير من المعاصرين، فقال الشيخ
الألباني «صحيح» (صحيح الجامع رقم 3148)، وقال الشيخ حسين سليم أسد الدّاراني:
«إسناده صحيح» (موارد الظمآن رقم 1289)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: «إسناده حسن»،
(صحيح ابن حبان، ت الأرنؤوط: رقم4164).
.
وكتبه:
أبوالفوزان السنابلي
[ ... و يتبع ... ]
رابط المبحث التالي
جاء في مشارق الأنوار الوهاجة لمحمد بن علي الأثيوبي (وأمثل إسناد رُوَي في هذا المعنى ما رواه ربيعة، عن عبد الملك بن سعيد بن سويد، عن أبي حميد، أو أبي أُسيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم،وتلين له أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم، وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم، وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه" (١)[ ١- (١) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" ٣/ ٤٩٧ و٥/ ٤٢٥. قال الحافظ الهيثميّ في "مجمع الزوائد" ١/ ١٤٩: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وحسّنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم ٧٣٢.]
ReplyDeleteثم أخرج من طريق بكير، عن عبد الملك بن سعيد، عن ابن عباس بن سهل، عن أُبَيّ، قال: إذا بلغكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يُعرف، وتلين له الجلود، فقد يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- الخير، ولا يقول إلا الخير". قال البيهقي: قال البخاري: وهذا أصح -يعني أصح من رواية من رواه عن أبي حميد، أو أبي أسيد-. وقد رواه ابن لهيعة عن بكير بن الأشج، عن عبد الملك بن سعيد، عن القاسم بن سهيل، عن أبي بن كعب، قال ذلك بمعناه، فصار الحديث المسند معلولًا، وعلى الأحوال كلها حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابت عنه قريب من العقول، موافق للأصول، لا ينكره عَقْلُ من عَقَلَ عن الله الموضعَ الذي وُضِع به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دينه، وما افتُرِض على الناس من طاعته، ولا يَنفِر منه قلب من اعتقد تصديقه فيما قال، واتباعه فيما حَكَم به، وكما هو جميلٌ حسنٌ من حيث الشرع، جميل في الأخلاق، حسن عند أولي الألباب. هذا هو المراد بما عسى يصح من ألفاظ هذه الأخبار.
ثم أخرج بسنده عن ابن عباس قال: إذا حدثتكم بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم تجدوا تصديقه في الكتاب، أو هو حسن في أخلاق الناس، فأنا به كاذب